غزت الحرائق لبنان في الساعات الماضية، وهذا امر متوقع في طقس مماثل لما نعيشه اليوم، ولم يحصل للمرة الأولى، بل يتكرّر كل عام، ويترك آثاره المدمّرة على البيئة والطبيعة والبشر. بشع جدا مشهد الحريق، ويؤلم القلب ويقتله، ولكن في ظل هذه الظلمة السوداء، يبرز "نور" يعيدنا الى الحياة، فالتضامن بين اللبنانيين، وسقوط شهيد بينهم سارع لإطفاء النار، بغض النظر عن بعض أصوات شاذّة، يملأ القلوب "إنسانية".
اشتعلت في لبنان 104 حرائق في وقت واحد، ما استدعى تدخّل "المختصّين" و"غير المختصّين" لاطفاء الحرائق، وكان الحريق الأكبر في منطقة المشرف، حيث اجتمع عناصر الدفاع المدني، مع عناصر الجيش، وعناصر متطوّعة تابعة لاتحاد بلديّات الضاحية الجنوبيّة، وعناصر من الهيئة الصحيّة التابعة لحزب الله، وعناصر من الدفاع المدني في كشافة الرسالة الإسلامية، وأهالي، وحاولوا جميعا المساندة والمساعدة على إطفاء الحرائق.
في تلك المنطقة، كما في غيرها، رُسمت لوحة وحدة اللبنانيين، فالمسار والمصير للجميع لم ولن يختلف. وكما في المشرف كذلك في مناطق مختلفة من لبنان، ساند اللبناني أخيه اللبناني، بغضّ النظر عن الاختلاف المناطقي والطائفي والحزبي، وبغض النظر عن المشاعر التي زرعها السياسيون في قلوب المواطنين، ولعل النقطة البيضاء الناصعة كانت بفتح البيوت امام المهجّرين جرّاء الحرائق.
انتشرت على وسائل التواصل إعلانات تقديم المنازل لمن فقد منزله، ومنها في منطقة عيتيت الجنوبيّة وصور(1)، حيث يقوم اللبنانيان محمد علي شعيتو، وحسين شعيتو بالتعاون مع الاهالي بتقديم ما يزيد 18 مكانا متاحا للسكن في المنطقة. يقول حسين شعيتو في حديث لـ"النشرة": "نملك 5 منازل بشقّتين لكل منها في عيتيت، ونملك 8 شقق فارغة في منطقة صور، ونطلب من كل من فقد منزلا او تهجّر منها ألاّ يتردد في الحديث معنا".
ويضيف شعيتو: "نحن في الجنوب اكثر من عانى من التهجير ونعلم معنى خسارة المنازل، وكما استقبلنا الناس في مراحل تهجّرنا فإن أبسط واجباتنا أن نفتح بيوتنا في هذه الظروف، وان نكون الى جانب أهلنا من كل المناطق المنكوبة".
بدوره يؤكد رجب الحاج وهو مدير أوتيل أوليفيرا في منطقة الجية(2) استعداده لاستقبال من يرغب ممن فقدوا مساكنهم، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أنه استقبل طلاب جامعة الحريري الليلة الماضية، ويستمر بفتح الشاليهات وكل مكان لديه لمن يرغب. ويقول: "لا يُسأل عن سبب العمل الانساني، فالغرف فارغة والمصائب تجمع اللبنانيين جميعا، وأقل واجب هو أن نكون مع الإنسان، عسى أن يوفّقني الله ويحمي أولادي". إضافة إلى مطعم ومسبح الجسر الذي فتح المطبخ الخاص به لتحضير الطعام لعمال الدفاع المدني وسكان المنطقة.
كثرت المبادرات لتقديم المنازل، وهكذا أيضا فعلت حركة أمل التي أعلنت عن تقديم 22 شقة جاهزة(3) لاستقبال الأهالي المتضررين من الحرائق، ووضعت أجهزة الدفاع المدني لديها بتصرف الدولة والاجهزة المعنيّة، وباشرت عملها في إطفاء حرائق الجنوب، كذلك كان لناشطين من الحراك المدني دورهم، فعملوا على تأمين الطعام الى الشباب المشاركين في عمليات الإطفاء في الجبل.
أمام هذا الجانب الذي يحمل الكثير من الأمل، مرّ جانب قاتم يشبه سواد ما خلّفه الحريق، حيث انتشر مقطعا مصورا يظهر فيه بعض الشبّان يهلّلون لانفجار خط التوتر العالي نتيجة الحرائق، الأمر الذي يؤلم اكثر من الحريق نفسه، فكيف للبعض ان يحوّلوا مصائب اللبنانيين الى نِكات سَمِجَة؟ ربما المشكلة "بالتربية الوطنيّة"، فالمطلوب في مثل هذه الحالات هو الوعي الإجتماعي الذي ينتج عنه تضامناً وتظافراً للجهود، لا سخرية وتفاهة.